الاثنين، 7 أكتوبر 2013

كتاب أثــر الـرحــلات والســفـارات فـي ثـقـافـة التـواصــل



أثــر الـرحــلات والســفـارات
فـي ثـقـافـة التـواصــل 

مؤتمر فيلادلفيا الدولي الرابع عشر
ثقافة التواصل


جمع وإعداد ماسة أبوجيب

بسم الله الرحمن الرحيم

" وجـعـلـنـاكـم شــعوبـًا وقـبائــل لـتعـارفـوا "

سورة الحجرات آية 13

لمحة موجزة عن البحث:

المقـدمـة:
كان التواصل ولا يزال بمثابة الجسر الذي تعبر الثقافات من خلاله إلى باقي المجتمعات من حولها دون أي جواز؛ فهو يلعب دوراً كبيراً في خلق الحوار بين الشعوب المختلفة وتضييق الفجوة بين مختلف الحضارات والثقافات ويهيئ الظروف لإيجاد لغة عالمية مشتركة هي لغة المحبة والتسامح والسلام...ولعل أهم أدوات التواصل الرحلات والسفارات ودورها في تقريب وجهات النظر بين الأفراد والشعوب والدول.

الموضـوع:
-         الحديث عن الدبلوماسية وتاريخ نشوء السفارات مع تسلسل تاريخي موجز ومحاولة تجار ميلانو للتقارب مع تجار فلورنسا فقاموا بتعيين مندوبين عنهم، وما لبثت باقي المقاطعات في إيطاليا أن حذت الحذو نفسه ( لدى كل سفارة تقريباً ملحقيات ثقافية وتجارية وعسكرية تزيد من توطيد العلاقات ما بين الدول وتعمل على إزالة الخلافات في حال وجودها)
-    إن ميل الإنسان إلى فضول الاستطلاع وفهم الآخر والرغبة الدفينة في السيطرة على العالم الخارجي قد دفعته منذ أقدم الأزمنة  إلى التنقل والرحلات فاندفع من إقليمه إلى الأقاليم المجاورة يكتشف آفاقها ويدرس طباع وعادات سواه من الشعوب والقبائل ليسبر خفاياها ويتقارب مع الآخرين تودداً وبحثاً عن الأمن لأن المعرفة والثقافة لا يمكن لهما أن يعرفا النمو والازدهار إلا في جو ملؤه السلم والمودة.
-  تكمن القيمة العلمية للرحلات في احتوائها على كثير من المعارف والمدّونات التي تمت إلى الجغرافية والتاريخ بأوثق الصلات، ففيها صور وتقارير وافية عن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعمرانية للعرب ومن جاورهم من الشعوب مثل ذكر المعالم الأثرية ودرس العلاقات الاقتصادية ووصف الممالك والبلدان.
-         الحديث عن الرحلات في كل عهد من العهود بدءاً من العصر الحجري ومروراً بالفراعنة ومن ثم الفينيقيين فالإغريق والرومان ومن ثم العرب المسلمين ثم الرحلات في عصر النهضة الحديثة التي تحمل صفة التنوع والشمول والوصف الدقيق والاتجاه نحو تحري الحقيقة.
-   الحديث عن تجربتي الشخصية ورحلاتي المتعددة وفائدتها في إغناء آفاقي المعرفية وخلق حالة من التبادل المثمر والبنّاء.
الخـاتمة:
إن حب الإنسان للرحلات وفكرته في إنشاء السفارات من أجل التقارب مع الحضارات الأخرى هي برهان واضح على ميله  القاطع ورغبته الأكيدة في إرساء حضارة التوافق والتناغم مع الآخر لا الإرهاب والحرب، بل هي الضمان لنشوء ثقافة إنسانية متنورة وشاملة تعتمد على الاكتساب والتفاعل في ظل تعدد الثقافات بعيداً عن النفوذ والاحتكار والهيمنة.
أثــر الـرحــلات والســفـارات
                    فـي ثـقـافـة التـواصــل

كان التواصل ولا يزال بمثابة الجسر الذي تعبر الثقافات من خلاله إلى باقي المجتمعات من حولها دون أي جواز سفر فهو يلعب دوراً كبيراً في خلق الحوار بين الشعوب المختلفة وتضييق الفجوة بين مختلف الحضارات والثقافات ويهيئ الظروف لإيجاد لغة عالمية مشتركة هي لغة المحبة والتسامح والسلام ومن أبرز عوامل التواصل الناجح القادر على إشباع رغبة الإنسان في المعرفة والمثاقفة، التفاعل والتحاور والاندماج دونما فقدان للهوية أو الخصوصية.وبالفعل وما أن استجاب أبناء هذا العالم الكبير الصغير لضرورة التعرف إلى الآخر " المختلف والمتشابه في آن واحد" حتى بادروا إلى ابتكار أدوات تواصلية بعيداً عن فكرة التسلط والهيمنة والتفوق على الآخر...ولعل أهم تلك الأدوات الرحلات والسفارات ودورها في تقريب وجهات النظر بين الأفراد والشعوب والدول، وهذا ما سوف نتطرق إليه باقتضاب في بحثنا التالي.

1-   الســـفـارات
إن الدبلوماسية بمعنى التحاور والتبادل والتواصل الإنساني قديمة قدم المجتمع البشري لأن العلاقة بين الأفراد لدى نشأة هذا الأخير قامت على أساس تفاوضي تبادلي فيه أخذ ومقابله عطاء فيه تناول وتنازل وبعد فترات سلم قد تطول أو تكثر تنشب حروب وبين فترات الكر والفر والإقدام والإحجام يدرك بعض الحكماء ضرورة التفاوض والتحاور سواء كان ذلك من منطلق الإكراه أو من موقع المحادثة أو التسوية...

لذا وبما انه من الصعب جداً رصد النشأة الأولى للسفارات والتاريخ لها بدقة سأكتفي بسرد تطورها بشكل عام عند اليونان والرومان والبيزنطيين ودويلات المدن الإيطالية وعند العرب بعد قدوم الدعوة الإسلامية ثم أتناول بإيجاز الدبلوماسية الحديثة المعاصرة.

- كانت السفارات في أيام الإغريق الأولى بدائية وكان يدعى الدبلوماسي بالمنادي (Herald) وكانت من مهامه تمثيل دولة المدينة وإدارة شؤون القصر الملكي والمحافظة على النظام في الاجتماعات ومع تشعب مصالح المدن الإفريقية أصبحت البلاغة وحسن الخطاب من المؤهلات الضرورية لسفرائها الذين كان يتم اختيارهم من بين أبرع الخطباء والمحامين ليقوموا أثناء المناقشات العلنية بالتصدي لنظرائهم عن طريق الحجة والبرهان لكن هذا النظام لم ينجح في أداء مهمته لارتكازه على الخطابة  والمراوغة في الكلام والترصد للطرف الآخر كان يشغل السفراء عن مهمة حماية وتطوير مصالح المدن التي يمثلونها.
- أما الرومان فقد أدى تفوقهم العسكري إلى فرض إرادتهم على المهزومين مما حدا بهم إلى تطوير مفهوم إبرام العقود والمعاهدات واحترامها بعدم خرقها.
بينما نرى أن البيزنطيين قد دفعهم ضعفهم إلى التفاوض وهم أول من أدخل نظام السفارة الدائمة حيث أضافوا لمهام السفير جمع المعلومات ودراستها وتحليلها وتقصي اتجاهات الأعداء وكتابة تقارير دقيقة عنهم.
- بعد ذلك أخذت دويلات المدن الايطالية الفن الدبلوماسي عن البيزنطيين ونقلته إلى بقية أنحاء أوروبا، وتم تمثيل البندقية في بقية المدن الايطالية لذلك أرخ البعض ازدهار النشاط الدبلوماسي لدويلات المدن الايطالية في القرن الخامس عشر ميلادي ببداية الدبلوماسية الحديثة فقد أنشأت البندقية جهازاً دبلوماسياً متكاملاً تميز بحسن التنظيم والدقة في جمع المعلومات وحفظ الوثائق وتصنيفها وحسن الإعداد للتقارير والرسائل، وبعد سقوط القسطنطينية في يد الدولة العثمانية عام 1453م وجدت البندقية نفسها مضطرة للتوجه إلى بقية أنحاء أوروبا لتوسيع علاقاتها مع الإمبراطورية الجديدة، وبحلول القرن السادس عشر أصبح وجود السفارات الدائمة في العواصم الأوروبية مشهداً مألوفاً ومعروفاً.
- ثم ابتداءً من القرن الثامن عشر حتى قرننا الحالي تعقدت الدبلوماسية بدرجة كبيرة وذلك بسبب نمو روح المصالح المشتركة بخاصة الأمم الأوروبية ومن ثم الأميركية، ودعّم هذه الروح ازدهار وسائل الاتصال والمواصلات مما زاد من حركة التواصل سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى الرأي العام بفضل تطوّر الطباعة والصحافة.
وباتت السفارات تقوم بعدة مهام:
ا) التمثيل: أي تبليغ وجهات النظر الرسمية للدولة التي يمثلها السفير إلى حكومة الدولة الممثل فيها
ب) التفاوض: أي التحاور والتفاعل بهدف التوصل إلى نقاط للتلاقي تؤدي إلى اتفاق أو تسوية أو هدنة أو صلح.
حـ) جمع المعلومات وتحليلها وإعداد التقارير للربط بين الموضوعات والأحداث والظواهر مما لا يتوافر لدى المراقب العادي.
د) حماية المصالح: مثل مراقبة تنفيذ المعاهدات الاقتصادية والتجارية والثقافية المعقودة بين بلد السفير والبلد المضيف له.
- وهنا لا يمكننا في أي حال من الأحوال إغفال دور العرب في نشأة الدبلوماسية فقد عرفوا كلمة " سفارة " قبل الإسلام وقد استعملت هذه الكلمة في تمثيل القبيلة لدى القبائل الأخرى للتفاوض وحل المنازعات وعقد الصلح بعد الحرب. وبمجيء الإسلام توحدت القبائل العربية في دولة واحدة أصبحت تنافس الفرس والروم وكانت الدبلوماسية إحدى سبل المنافسة وخلق قيام دولة جديدة ذات اهتمامات سياسية واجتماعية جديدة، وكانت هناك حاجة لمبعوثين ذوي مهارات خاصة من فن في الجدال وقوة في الإقناع لضمان حقوق تلك الدولة وللمساهمة في نشر الدين الجديد.
- ما سبق يسوقنا للقول إن دور الدبلوماسية الحديثة يجب أن ينتقل من مجرّد تمثيل المصالح الرسمية إلى تمثيل الثقافة القومية والسعي لمعرفة القواسم المشتركة بينها وبين الثقافات الأخرى في نفس الوقت، فمن المؤكد أن الأمم تتناحر وتتباغض كلما ضعف الاتصال الثقافي بينها ويمكن أن يسهم جهد السفراء الثقافي والإعلامي والتجاري والعسكري وحتى الرياضي بجانب الجهد الرسمي إلى خلق "عقل جمعي عالمي-   "International collective mindفي المدى البعيد، مما يؤدي إلى جذب المشاعر الشعبية نحو الاعتمادية التبادلية Interdependency ( فكلنا يذكر أغنية  We are the world التي نتج عن بثها في حفلات عديدة تجميع مبالغ ضخمة لمنكوبي الجفاف في اثيوبيا.
أخيراً إن عبارة النظام العالمي الجديد تبدو خاوية من معناها الحقيقي ما دامت الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة عميقة ودور السفارات الحقيقي يكمن في تعبئة الهياكل الدولية الحالية وآلياتها بمحتوى يجعلنا نخطو فعلاً نحو هذا النظام العالمي الجديد، نظام تتاح فيه لكل شعوب العالم أن تتحاور وتتعاون من خلال ثقافاتها، والزمان الحاضر لم يعد حكراً على الأكاديميين والباحثين بل أمس للإنسان العادي دوره في تحليل الخطاب وتفسير المناهج، إن جوهر التحديات المنهجية والنظرية التي تجابه عمل السفراء هو خلق شفافية ثقافية وحساسية وفهم نحو الآخر، بدون هذا لا تستطيع أية أمة أن ترى غيرها وتتفاعل معها تأخذ منها وتعطيها في ظل وضع دولي يحتم التقارب والتلاقي بفضل التطوّر المذهل لوسائل الاتصال.
وإذا كنا أصحاب شكوى من الغزو الثقافي وسواها من العبارات التي تلقي باللوم على الآخر وثقافته فما علينا إلا أن نردد مع غاندي" جميل أن افتح نافذتي كل صباح لأتنشق نسائم عليلة من أجواء بعيدة مختلفة شرط ألا تقتلعني من جذوري"
وفي ظل هذا الوضع فإن أفضل ما يفعله أي سفير هو أن يعرف قدر أمته دون تهويل لحضارتها ومنجزاتها التاريخية ودون تقليل من شأنها وأن يعرف قدر الآخرين ومنجزاتهم
الحضارية دون الانبهار بها لدرجة العمى ودون إغفالها لدرجة تبقيع أسيراً لأمجاد الماضي وإنجاز الآباء، فلا سبيل لمعرفة قدر أنفسنا وقدر الآخرين إلا بامتلاك الوسائل المؤدية لهذه المعرفة ووسائل المعرفة هي حتماً وسائل الاتصال والمعلوماتية الحديثة.
ولعل كتاب دليل الدبلوماسي للبروفسور فالتام مؤسس برنامج الخدمات الخارجية في جامعة
 أكسفورد قد بيّن أن السفير بمقدار ما يكزن عارفاً لظروف بلده وظروف البلدان الأخرى
 – بغض النظر عن مقاربة مصلحة وطنه بمصالح تلك الدول أم لا – يستطيع أن يقوم بدوره
في حمل رسالة وطنه سياسياً واقتصادياً والأهم من ذلك ثقافياً لأن هذه المقدرة هي سبيله إلى
 ترسيخ صورة وطنه في الذاكرة السمعية والبصرية. 
ختاماً إن الهدف من تبادل البعثات الدبلوماسية هو استطلاع وتهيئة أفضل الوسائل لإقامة علاقات طيبة بين الدول وبالتالي خلق جو ودي يساعد على تأمين التعاون الدولي بأفضل طريقة وعلى أرفع درجة ممكنة.
فالنتيجة الأخيرة والوظيفة الأهم للسفارات تكمن في تعزيز السلام العالمي في عصر ٍ أصبحت الحروب فيه كوارث حقيقية تهدد البشرية بأثرها.
2-   الــرحـــلات
تكمن القيمة العلمية للرحلات في احتوائها على كثير من المعارف والمدونات التي تمت إلى الجغرافيا والتاريخ بأوثق الصلات ففيها ذكر ما قاساه كاتبوها من ألوان المتاعب والأهوال
كما فيها صور وتقارير وافية عن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعمرانية
للبلدان المجاورة التي يتم السفر إليها والتعرّف على معالمها الأثرية ووصف ممالكها وأصقاعها وأقطارها ومسالكها وطرقها.

إن ميل الإنسان وفضوله إلى الاستطلاع وفهم الآخر والرغبة الدفينة في السيطرة على العالم الخارجي قد دفعته منذ  أقدم الأزمنة إلى التنقل والرحلات فاندفع من إقليمه على "راحلته" إلى الأقاليم المجاورة يكتشف آفاقها ويدرس طباع وعادات سواه من الشعوب والقبائل ليسبر الأغوار الخفية ويتقارب مع الآخرين تودداً أو طمعاً، وحمداً لله أنه في يومنا هذا وعلى الرغم من الحروب التي تشنها بعض الدول رغبةً منها في التوسع، إلا أننا معشر الشباب بدأنا بمحاولة التحاور لإيجاد صيغة تناسب الجميع بحثاً عن الأمن، لأن المعرفة والمثاقفة لا يمكن لهما أن يعرفا النمو والازدهار إلا في جو ملؤه السلم والحب والمودة، وصدق القديس سانت اوغستان : حدود الحب هو أن تحب بلا حدود

لقد كان تعبير الرحالة سهلاً مستقيماً ناضحاً بغنى التجربة وصدق اللهجة الشخصية مما لا نجده متوافراً عن الأدباء المحترفين ونجده بقوة عند العلماء والمؤرخين.
وكان للإنسان في كل عهد من العهود سفرات ومغامرات دلت عليها الرسوم البارزة والنقوش الملونة في المغارات وفوق الجدران، فقدامى المصريين لطالما رسموا على جدران معابدهم سير وأخبار أسفارهم كذلك الشعب الفينيقي وملاحته في البحار يجوب أرجاء الدنيا آخذاً ومعطياً فاعلاً ومنفعلاً، كذلك الإغريق ومن ثم الرومان ومن بعدهم العرب المسلمون.
وظل العرب هم الحائزين قصب السبق في ميدان الرحلات والاكتشافات حتى القرن الخامس عشر الميلادي حين انطلقت في أوروبا حركات الاستكشاف الحديثة مثل حركات كولومبس وماجلان وبارتيليميو دياز.
ففي العصر الجاهلي كانت الرحلات لدى العرب في سبيل التجارة ومن اجل طلب العلم وحينما أتى الإسلام كان نقطة تحول في تاريخ العرب فبالإضافة إلى السفر للمتاجرة وللتزود بالعلم أخذ الرحالة المسلمون يجوبون أقطار المعمورة بعد أن قامت في البلاد العربية دعوة دينية بشّر بها فتى من قريش استطاع أن يجتذب العرب إليه وان يجمع شملهم.

وعند بدء القرن التاسع للميلاد ( الثالث للهجرة) بدأت تكثر الرحلات الاستطلاعية الرسمية للهند والصين لابن وهب القرشي واليعقوبي وسلام الترجمان.
أما في القرن العاشر للميلاد ( الرابع للهجرة) فبدأت الرحلات تكثر إلى الأندلس وقرطبة وصقلية وحتى التيبت التي قام بها ابن فضلان والمسعودي وابن حوقل وسواهم.
وفي القرن الحادي عشر للميلاد ظهر البيروني وأخذت الرحلات منحىً أكثر موضوعيةً وشمولية.
وفي القرن الثاني عشر برز كل من الإدريسي وابن جبير وأسامة بن منقذ، ليتبعهم في القرن الثالث عشر عبد اللطيف البغدادي وياقوت الحموي، ثم يحط بنا الرحال في القرن الرابع عشر حيث ظهر أشهر الرحالة العرب ابن بطوطة علماً أن أدب الرحلات كان يفتقر آنذاك إلى عنصري الأمانة العلمية والنقد التحليلي، ومن ثم ظهر في القرن الخامس عشر الرحالة الظاهري، وكلما اتجهت بنا سفينة الزمان إلى عصور النهضة الحديثة كلما اتسمت الرحلات بصفة التنوع والشمول والوصف الدقيق والاتجاه نحو تحري الحقيقة أمثال رحلات فارس شدياق ومحمد عمر التونسي وأمين الريحاني الذين اشتهروا بأسلوبهم الحي المتحرك وطرافة الحديث وطلاوة السرد.

ولعل اصدق ما قيل في حب الإنسان للرحلات والتقارب مع الشعوب الأخرى ورغبته الأكيدة وميله القاطع في إرساء حضارة التوافق والتناغم مع الآخر هي الضمان لنشوء ثقافة إنسانية متنورة وشاملة تقف في وجه الكثير من التحديات، وصدق الرحالة العربي القائل:

فنحن الناس كل الناس                               في البـر وفـي البحـر
أخــذنـا جــزيـة الخـلق                               من الصين إلى مصـر
إلى طنجة، بل في كــل                               أرض خــيلنا تســري
إذا ضــاق بـنــا قـطـــر                               نــزلنــا منه إلى قطـر
لنــا الدنــيا بـما فيــها                                مـن الإســلام والكـفـر
فنصطاف عـلى الثلـج                                 ونشتو بموطـن التمر

ولا شيء يثلج القلوب ولا مذاق بحلاوة التمر مثل الاكتساب والتفاعل من خلال الأسفار والرحلات في ظل تعدد الثقافات بعيداً عن النفوذ والاحتكار وأحادية القرار.

3-   التجـربة الشـخصيـة
أما الرحلات التي نقوم بها كأنشطة مدرسية أو جامعية أو شخصية فيما بعد فإنها إثراء للمفاهيم التربوية والاجتماعية وغنىً لخبرات المرء واكتسابه المعارف، فالسفر علاوة على انه يعين على التأمل والتفكر والتدبر في هذا الكون فإنه يعمل على تدعيم العلاقات الاجتماعية من تآلف ومحبة وتدريب على الاعتماد على النفس.
ويأتي برنامج الرحلات الأكاديمية ضمن برامج التبادل الثقافي والعلمي بين الجامعات عالمياً بهدف صقل الوعي لدى المشاركين وتوسيع مداركهم وإكسابهم المزيد من المهارات والأهم من ذلك تحفيزهم على العمل بروح الفريق والتعرّف إلى مختلف الحضارات والتقنيات والثقافات والاستفادة منها.
فبالنسبة لي كانت الرحلات الخارجية محطة مهمة في حياتي إذ منحتني أبعاداً جديدة من الثقافات المعاصرة فضلاً عن تبادل الخبرات والمعلومات في مختلف بقاع الكون ومع أصدقاء كثر من كافة جنسيات العالم.
إن تجربة السفر قد غيرت الكثير من الصفات لدي، جعلتني أكثر انفتاحاً وأكثر صبراً، أعطتني القدرة للاعتماد على ذاتي وأشعرتني بالتحدي الحقيقي وكانت فرصة ثمينة لغرس مفهوم العمل الجماعي وتبادل الآراء والتواصل مع الآخرين ونقل أفكارنا إليهم والتمازج مع أفكارهم والاستفادة من التعددية الثقافية في عالم كبير كبير لكننا بقلبنا وحبنا وتسامحنا نصبح أكبر منه
أولم يقل الشاعر ذات يوم: " وتحسب انك جرم صغير        وفيك انطوى العالم الأكبر"
فالرحلات الخارجية دروس خارج الحدود وصداقات عمرها مديد.
بدأت رحلاتي خارج النطاق العائلي بدءاً من عام 2000 وذلك بعد حصولي على منحة من المركز الثقافي الفرنسي للمشاركة في حضور المهرجانات الموسيقية الشبابية احتفالاً باليوم العالمي للفرنكوفونية في مدينة la Rochelle حيث شاركت فرق عديدة من كافة أنحاء العالم
أما في عام 2001 فلقد شاركت في دورة تدريبية على فنون الرسم وتقنياته بين باريس وشارتر وتور لإقامة معارض مشتركة مع العديد من الفنانين التشكيلين الشباب من مختلف أنحاء العالم
وبعدها بعام أي في عام 2002 حصلت على منحة من نادي الليونز إلى مدينة Dieppe بهدف التبادل الشبابي كما شاركت بمعرض جماعي بمشاركة فنانات تشكيليات من كافة أنحاء الوطن العربي بعنوان النساء والحب احتفالاً بيوم المرأة العربية وكانت تلك فرصة سانحة للتواصل مع المشاركات من باقي البلدان العربية والصديقة.
وفي عام 2003 دعيت إلى ملتقى عالمي للرسم والنحت في مدينة أهدن بلبنان الشقيق ومن خلال التجمعات الفنية في هذا البلد ذي الطبيعة الساحرة توطدت علاقاتي بالكثير من المشاركات والمشاركين.
 وفي العام ذاته تلقيت منحة من نادي الـ LIONS  في تركيا وتمكنت من عقد صداقات لا تزال قائمة حتى يومنا هذا
 وفي عامي 2004 و2005 ساهمت في معسكرات ثقافية شبابية في كل من لبنان والأردن وسوريا
أما في عام 2006 فإني شاركت في عدة ورشات عمل في مجال تطوير المهارات والإدارات المدنية بإشراف المفوضية الأوروبية مع مشاركات فعالة في برنامج التطوع لدى هيئة الأمم المتحدة في يوم التطوع العالمي لزرع روح العمل الطوعي بين المشاركين الشباب ولتعلم المزيد عن التطوع وكيف يمكننا نحن الشباب أن نقدم وقتنا ومؤهلاتنا في خدمة تطوير بلادنا وفي الاطلاع على ما توصل إليه الآخرون من انجازات في هذا المجال.
وبصفتي نائب رئيس مجلس إدارة جمعية شمس ( شباب مثقف سوري ) التي من احد أهدافها العمل على رفع سوية التذوق الفني والجمالي لدى الشباب فإنني ساهمت في عدة ورشات عمل حول حاجات الشباب وذلك بالتعاون مع الجمعية السورية لتنظيم الأسرة عام 2007
و في عام 2008 شاركت في نشاطات اليوم العالمي لتشجيع التطوع من اجل البيئة في سورية بالتعاون مع اليونيسيف والأنروا وال  UNDPوكان معنا في تلك التظاهرة شباب من مختلف الجنسيات مما ساعدنا عل تبادل الآراء والاستفادة من تجاربهم الناجحة في مجال التلوث البيئي.
كذلك قمت في العام ذاته بصفتي عضو مؤسس ومسؤولة عن النشاط الثقافي والفني لجمعية شمس كما ذكرت لكم آنفاً بتنظيم مشروع أوركسترا الشباب الأورومتوسطي لأن الحوار مابين أعضاء الفرقة وتبادل المعارف الموسيقية تزيد من خبرة الشباب المشاركين في مجال العزف الجماعي الأوركسترا لي وتمكـّن هؤلاء العازفون القادمون من ثمانية بلدان مختلفة من التواصل مع بعضهم البعض والانسجام فيما بينهم من خلال فترة قصيرة وساهم في إنجاح هذا المشروع بالإضافة إلى جمعية شمس من سورية جمعية الموسيقى والفن المعاصر من النمسا ، جمعية حوارات متباينة من ألمانيا ، جمعية طلاب بوخارست في الجامعة الوطنية للموسيقى من رومانيا، جمعية الشام الثقافية للصداقة الإيطالية السورية من ايطاليا ، جمعية آربيجو من الجزائر – جمعية إحياء الإبداع الموسيقي من تونس وجمعية الشباب الموسيقي المصري من مصر.
كما حصلت في مطلع العام نفسه على منحة إلى بوخارست( رومانيا) للمشاركة في مشروع خاص بالأطفال وكيفية التعامل معهم مهما اختلفت جنسياتهم وخلق لغة خاصة للحوار العالمي بينهم وهذا ما ندعوه بـ The universal Childhood Games
 وفي ربيع 2008 تلقينا أختي وأنا دعوة من المركز الثقافي السوري في باريس حيث قامت أختي وهي تعمل في مجالي الفن التشكيلي ورسوم الأطفال بتوقيع كتابها هناك الذي يتضمن 50 قصيدة للأطفال كتبتها بخمس لغات وإحدى القصائد المكتوبة باللغة العربية قام بتلحينها الموسيقار الياس الرحباني وكان قسم من ريع الكتاب الذي قمت أنا شخصياً بتصميمه الغرافيكي لصالح بعض الجمعيات العربية التي تعنى بسرطان الأطفال، فضم هذا الملتقى العديد من العائلات العربية والأجنبية التي أتت لاقتناء الكتاب خاصةً وأنه يجمع بين دفتيه ثقافات ولغات عدة بلدان وهي العربية، الفرنسية ، الإنجليزية، الإسبانية والإيطالية.
وفي صيف السنة ذاتها تلقيت دعوةً للمشاركة في برنامج القوة العاشرة الذي يقدمه الإعلامي المعروف جورج قرداحي حيث تم تصوير حلقاته في مصر وكان اختيار اللجنة الفاحصة للشباب المشاركين في هذا البرنامج يعتمد على تميز الشخصية  وحسن التحليل والمقدرة على التواصل مع الغير.
أما في عام 2009 فلقد كانت لي مشاركة فنية تشكيلية في معرض مشترك بجامعة أكدينيز في انطاليا مع طلاب كلية الفنون الجميلة في سوريا وتركيا وبعض الجامعات الأخرى بهدف التواصل واكتشاف ثقافة الآخر.
وها أنذا اليوم ونحن على أبواب عام جديد ترونني أقف على منبر جامعة فيلادلفيا حاملةً لكم مع نفحات الخريف الدمشقي كل المحبة والإخلاص من جامعة القلمون التي بدأت منذ أمد غير بعيد بالعمل فيها كمديرة للفعاليات الثقافية وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن للرحلات وتبادل وجهات النظر والإطلالة على مشارف الآخر الدور الكبير في توطيد العلاقات لا بين الأفراد فحسب وإنما بين المؤسسات مدنية كانت أم حكومية وبين البلدان شرقية كانت أم غربية.
وكي اختم حديثي الذي أرجو ألا يكون قد بعث  الملل في نفوسكم أقول :
من الصعب أن يتحدث المرء عن ذاته وان يسرد تفاصيل حياته دون سهو أو نسيان لبعض النقاط الهامة لكنني رأيت النور في مدينة النور فعشت طفولتي في باريس لانتقل بعدها إلى دمشق في مرحلة الشباب وما بين مسقط الرأس في فرنسا ومسقط القلب في سوريا محطات كثيرة وتجارب عديدة اختصرت إيماني بدوري في الحياة وحبي للآخرين مما زادني قوةً ومنحني القدرة على إسعاد من حولي وبالتالي إسعاد ذاتي والرضى عنها.

المصادر والمراجع
المراجع بالنسبة للسفارات:
-اسم الكتاب: العلاقات الدبلوماسية والقنصلية / اسم المؤلف: أ. عدنان البكري
-اسم الكتاب: العلاقات الدبلوماسية والقنصلية / اسم المؤلف: د. هاني الرضا
( تاريخها، قوانينها، أصولها )
-اسم الكتاب: مستقبل الدبلوماسية في ظل الواقع الاتصالي الحديث / اسم المؤلف: أ.حيدر بدوي صادق
-اسم الكتاب: دليل الدبلوماسي / اسم المؤلف: أرجين فالتام / اسم المترجمة: ميسون خاني عمورة
-اسم الكتاب: نحو دور فاعل ف ثقافة جديدة / اسم المؤلف: أ. حيدر إبراهيم علي
-اسم الكتاب: The World News Prism / اسم المؤلف: W. Hachten
المراجع بالنسبة للرحلات:
-اسم الكتاب: الرحالة العرب / اسم المؤلف: نيكولا زيادة
-اسم الكتاب: المسالك والممالك / اسم المؤلف: نيكولا زيادة
-اسم الكتاب: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق / اسم المؤلف: الإدريسي
-عنوان المقال: أسفار على جناح العلم / المصدر: انترنت / اسم الموقع: المنتدى التربوي
-عنوان المقال: الرحلات المدرسية / المصدر: انترنت / اسم الموقع: المنتدى التربوي

0 التعليقات:

إرسال تعليق